اعتقاد أهل الأثر في المهدي المنتظر

اعتقاد أهل الأثر في المهدي المنتظر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً))

أما بعد : فيقول الله تبارك وتعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)) . وقال عز وجل: ((وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)) .

لقد قضى الله تبارك وتعالى وحكم أنه يبتلي أهل الإسلام بأهل الكفر، وأهل السنة بأهل البدعة، أما أهل الكفر فلا يخفى عداؤهم وحربهم للإسلام وأهله، ((وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)) .

وأما أهل البدعة فهم الداء الدفين والبلاء المبين، يرفعون راية الإسلام ثم يقاتلون أهل الإسلام ويعادونهم، ويستبيحون دماءهم وأعراضهم وأموالهم، قلب النظر في صفحات التاريخ، لتعلم ما جرى لأهل السنة من المحن والبلايا على أيدي المبتدعة من الخوارج وغيرهم، ها هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابتلاه الله بحدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ذوي الجهالة والحماسة العمياء، طعنوا فيه وهو خليفة المسلمين وولي أمرهم، ثم كفروه زاعمين أنه يحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، ونزعوا البيعة وأمروا رجلا يقال له عبدالله بن وهب الراسبي، فبايعوه مع أن في أعناقهم بيعة للخليفة الراشد علي رضي الله عنه، ثم حملوا السلاح على أهل الإسلام فقتلوا من قتلوا وأغاروا على سرح المسلمين فأخذوا إبلهم زاعمين أنها غنيمة فعند ذلك استعان علي بالله تبارك وتعالى وعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بقتلهم وأخبر أنهم شر قتلى تحت أديم السماء وأنهم شر الخلق والخليقة يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، وقال فيهم صلى الله عليه وسلم: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل ثمود) فقاتلهم علي والصحابة الكرام، فمكن الله منهم وقتل أكثرهم وسجد علي شكرا لله تبارك وتعالى وبقي منهم بقية في قلوبهم غل وحقد وبغض لأهل السنة منهم الشقي عبدالرحمن بن ملجم، عزم هذا الخارجي على اغتيال علي المبشر بالجنة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم عزم على قتله ليأخذ بالثأر زعم، فشحذ سيفه شهرا، وسقاه السم شهرا، ثم كمن لعلي رضي الله عنه فلما خرج لصلاة الفجر انطلق إليه هذا الخارجي الغادر وهو يتلو قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ)) . يعني نفسه وكذب الفاجر، ثم ضرب عليا بسيفه فسقط رضي الله عنه، فحمل إلى داره وسعوا في علاجه، وأمسكوا بذلك الخارجي فقال: "لقد ضربته ضربة لو وقعت على أهل بلد لقتلتهم"، نعم لقد فاضت روح المبشر بالجنة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولله في ذلك حكمة بل حكم منها :

أن يعلم أهل السنة عظم خطر أهل البدع، فهم شر وبلاء، يفسدون القلوب قبل إفسادهم الحرث والنسل، يغررون بالشباب والعوام، ويثيرون الفتن بين أهل الإسلام، وبين الشعوب الإسلامية وولاة أمرها، ولا يرقبون في سني إلاًّ ولا ذمة، وإذا كانوا قد كفَّروا ولي أمرهم علياً رضي الله عنه فكيف بمن بعده من حكام المسلمين؟ نعم .. إن قتل علي رضي الله عنه مصيبة حلت بالمسلمين وبلية ورزية، إذا تأمل فيها العاقل علم ضلال من يهونون من شأن البدع وأهلها، ويريدون التسوية بين السني والبدعي، تحت شعار: (نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفناه فيه) ويا سبحان الله .. هل عذر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج ؟ أم أنه حذَّر منهم وذمهم، وأخبر أنهم شر الخلق وشر قتلى تحت أديم السماء، بل أوصى بقتلهم وقطع دابرهم، وهل عذرهم علي والصحابة وقالوا : نتعاون فيما اتفقنا عليه؟ لا والله ما كان هذا .. وليسأل أصحاب قاعدة المعذرة والتعاون، ليسألوا أنفسهم هل يعذرون من يسب ويلعن أبا بكر وعمر وعثمان ويكفرهم ؟ هل يعذرون من يطعن في عرض عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد برأها الله من فوق سبع سماوات ؟ هل يعذرون من يكفر بلادنا ويستبيح دماءنا؟ هل يعذرون من يطوف حول القبور ويستغيث بالأموات ويطلب منهم المدد ويذبح لهم من دون الله تبارك وتعالى ؟ إذا كانوا يعذرون هؤلاء فلماذا لم يعذروا حكام المسلمين ويتعاونوا معهم على حسب قاعدتهم: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ؟

إن واقع الجماعات الإسلامية المحدثة التي تبنت هذه القاعدة تبين أنها جماعات وصولية، تريد الوصول لكرسي الحكم ولو ضحت بالعقيدة السلفية، ومكنت لأهل البدع، وتجلى للعاقل أن معنى قاعدة المعذرة والتعاون عندهم أن الغاية تبرر الوسيلة، فغايتهم الوصول لكرسي الحكم، ووسائلهم على غير هدي السلف الصالح فأفسدوا والله وما أصلحوا ومن وسائل هذه الجماعات الأصولية استغلال المعاني الإسلامية والمصطلحات الشرعية، فيرفعون مثلا راية الجهاد، فالقصد منه جباية زكوات المسلمين، وضم الشباب إلى تنظيماتهم الجهادية المزعومة، وتربيتهم على فكر تلك الجماعات الثورية، والإنفاق عليهم وعلى عملياتهم التخريبية من زكوات المسلمين تلك. ويرفعون أيضاً راية إعادة الخلافة الإسلامية، وقصدهم إسقاط شرعية الحكومات القائمة، والحق أنه يجب على كل شعب مسلم الآن السمع والطاعة لمن تأمر بغير معصية الله تبارك وتعالى، وإن استقل كل بلد كما هو الحال الآن. ويرفعون أيضاً راية إنكار المنكر والقصد منه إيغار الصدور على ولاة الأمور، وتزهيد الرعية في السمع والطاعة لإمامهم، ومما استغله أهل الأهواء لإثارة العامة على ولاة الأمر وتحقيق غاياتهم المتقدمة، ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من خروج المهدي، وهو حق وصدق كما سيأتي إن شاء الله تبارك وتعالى، لكن أهل الأهواء والبدع، استغلوا ذلك لمآرب ردية، فتراهم يبشرون العامة بخروج المهدي المنتظر، وأن الرؤى قد كثرت في شأنه وتواطأت ويوهمون الناس أن بلادهم قد ملئت ظلما وجورا، ويضخمون أخطاء الحكام، ويكتمون محاسنهم، فعند ذلك تتهيأ نفوس المغترين بهم للثورة على ولاة أمرهم، وبعدها يخرج من يزعم أنه المهدي المنتظر، طالبا البيعة خارجا على ولي أمر المسلمين وإمامهم، وتكون عاقبة هذا الكذاب الفشل والهلاك ولكن متى؟ بعد أن يهلك معه فئاما من المسلمين. والمواقع المشبوهة في الشبكة العنكبوتية تدخخ الآن عواطف الشباب بذلك، وتبشرهم بالخلاص على يدي المهدي المزعوم، فترى ذلك الشاب قد انعزل عن وطنه وولاة أمره، وخلع البيعة التي في عنقه ورضي أن يموت ميتة جاهلية، في سبيل ترقب المهدي المزعوم وإعادة الخلافة على يديه، ولا تعجب بعدها، لا تعجب إذا فجر هذا المسكين نفسه لأنهم أوهموه أن هذا هو الطريق إلى الخلافة الإسلامية.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. إن الأحاديث والآثار الواردة في المهدي كثيرة جداً، رواها الأئمة وقبلوها ورضوا بها، رضوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذروا أهل الإسلام ممن يستغل ذلك لإثارة الفتن، وضم العامة إلى جماعته وحزبه .

قال العلامة ابن خلدون: "اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار، أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى المهدي" انتهى كلامه.

وقال الحافظ أبو الحسن الآوري: "قد تواترت الأحاديث واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه".

وقال العلامة السفاريني: "الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام، فقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عد من معتقداتهم، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغفر له: "إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيره، من حديث ابن مسعود وغيره".

وقال الحافظ ابن كثير: "المهدي هو محمد بن عبدالله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه، يصلحه الله في ليلة واحدة، أي: يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده، بعد أن لم يكن كذلك، ويؤيده بناس من أهل المشرق، ينصرونه ويقيمون سلطانه، تكون رايتهم سوداء" انتهى كلامه.

وقال مفتي الديار السعودية الشيخ ابن باز غفر الله له: "أمر المهدي أمر معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، قد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وهي متواترة تواترا معنويا لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.

يا معاشر المؤمنين : لقد وردت الأحاديث الصحيحة ببيان صفات المهدي المنتظر، لئلا يقول قائل أو يتمنى متمن، وإذا تأملت في الأحاديث الصحيحة علمت كذب أهل الأهواء في هذا الباب، وانحراف بعض الناس عن جادة الصواب، ولذلك قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله وغفر له: "وإن مر بك المهدي وأنت في البيت فلا تخرج إليه حتى يجتمع الناس، وكذلك قال بعض مشايخنا: ما ضرني لو كنت آخر من بايع المهدي". والمراد أن لا يعجل المسلم فيصدق كل من ادعى أنه المهدي.

** أما صفات المهدي المنتظر التي صحت الأحاديث ببيانها فهي على النحو الآتي :

أولا : أن اسمه يواطئ اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه يواطئ اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة رضي الله عنها، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي) أخرجه أبو داود وسنده صحيح لغيره.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) أخرجه أبو نعيم والطبراني في الكبير وإسناده حسن.

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي، اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي) رواه أبو داود وهو صحيح لغيره. فدلت هذه الأحاديث على اسمه وعلى أنه يخرج في آخر الزمان، فلا تقوم الساعة حتى يملك.

ومن الأدلة على أنه من أهل البيت حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة) رواه ابن ماجه وإسناده حسن.

وأما كونه من ولد فاطمة رضي الله عنها فلحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) أخرجه أبو داود بسند حسن.

ثانياً: أنه أجلى الجبهة أقنى الأنف، يصلحه الله في ليلة، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدي مني أجنى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين) أخرجه أبو داود وغيره، والحديث حسن لشواهده. وقوله: أجلى الجبهة، الأجلى هو الخفيف ما بين النزغتين من الصدغين والذي انحسر الشعر عن جبهته، وقوله أقنى الأنف، القنى في الأنف طوله ورقة أرنبته، مع حدب في وسطه.

وأما الدليل على أن الله يصلحه في ليلة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة) أخرجه ابن ماجه من طريق علي رضي الله عنه وإسناده حسن.

قال الحافظ ابن كثير غفر الله له: "يصلحه الله في ليلة، أي: يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك".

ثالثاً : أن الأرض تملأ قبل خلافته ظلما وجورا، فيملؤها قسطا وعدلا، وأن خلافته لا تقل عن سبع سنين، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في أمتي المهدي إن طال عمره أو قصر عاش سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، يملأ الأرض قسطا وعدلا، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها) أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وزاد: (وتعيش أمتي في زمانه عيشا لم تعشه قبل ذلك) والحديث حسن لشواهده.

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتملأن الأرض ظلما وعدوانا ثم ليخرجن من أهل بيتي أو قال من عترتي من يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا) أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وأبو نعيم وإسناده صحيح لغيره.

رابعاً : أنه يخرج في رايات سود من قبل خراسان فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي) أخرجه أبو الفتح الأزدي، والحديث حسن لغيره والله أعلم.

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، قال الراوي: ثم ذكر شيئا لا أحفظه، فقال عليه الصلاة والسلام: فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي) أخرجه ابن ماجه وإسناده صحيح، وليس معنى الحديث المبادرة إلى مبايعة كل راية سوداء خرجت من قبل خراسان أو من قبل المشرق، بل لا بد من وجود العلامات الأخرى الدالة على المهدي، وقد تقدم قول سفيان الثوري رحمه الله: "وإن مر بك المهدي وأنت في البيت فلا تخرج إليه حتى يجتمع الناس".

خامساً : أن الله يسقيه الغيث وأن الأمة تنعم في ولايته، وأن الأرض تخرج نباتها وتكثر الماشية وتعظم الأمة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صَحَاحا –أي: صحيحا- وتكثر الماشية وتعظم الأمة) أخرجه الحاكم في مستدركه وإسناده صحيح، وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (وتعيش أمتي في زمانه عيشا لم تعشه قبل ذلك).

سادساً : أنه يعطي المال صحاحا أي صحيحا كما في الحديث السابق وأنه يحثي المال حثيا ويعطي بغير عدل، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خلفائم خليفة يحثو المال حثيا ولا يعده عدا) أخرجه مسلم. وعلق عليه الشيخ الألباني في صحيح الجامع بقوله: "وهو المهدي المبشر بخروجه بين يدي نزول عيسى عليه السلام" انتهى كلامه.

وعن أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده) أخرجه مسلم.

سابعاً : أن عيسى نبي الله عليه السلام ينزل في آخر الزمان لقتل المسيح الدجال، ونزوله من علامات الساعة الكبرى، وقد وردت الأحاديث بأنه عليه السلام يصلي وراء المهدي المنتظر، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة) أخرجه الإمام مسلم.

والذي يبين أن هذا الإمام الذي يصلي خلفه نبي الله عيسى هو المهدي حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة) أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وقال الإمام ابن القيم: إسناده جيد. فلا يجزم أنه المهدي إلا إذا صلى نبي الله عيسى بن مريم خلفه .

معاشر المؤمنين : يقول الله تبارك وتعالى: ((وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)) أي: لتظهر سبيلهم وطريقتهم حتى يحذرها أهل الإسلام، إذا كان الأمر كذلك من التلبيس والتضليل، فلا بد معاشر المؤمنين من تجلية هذه الأمور وكشف تلك الشبهات التي يبثها دعاة الضلالة، ولا بد من بيان الأحاديث النبوية الواردة في تلك الأمور، وإيضاح معتقد أهل السنة والجماعة فيها، وهذا هو الواجب أن ترد شبه هؤلاء بالأدلة الشرعية وبيان السنة لئلا يغرر بعوامنا وشبابنا، ((وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)).

أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال صلى الله عليه وسلم: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته). قال ابن حبان في صحيحه: "القوم الذي يخسف بهم إنما هم القاصدون إلى المهدي في زوال الأمر عنه" لكن أكثر أهل العلم لم يحملوا هذا الحديث على المهدي ولا أخرجوه في أبوابه لعدم الدليل الصحيح الصريح على أنه الجيش الذي يقاتل المهدي، وقد اغتر بعض الناس فعاذ بالبيت زعم، يقتل أهل الإسلام وينتهك حرمة البلد الحرام، زاعما المهدوية متربصا بجيش أهل السنة عسى أن يخسف به فيكون هو المهدي، فلم يقع شيء من ذلك، بل صرع المهدي الكذوب هناك، وقطع الله دابره وأطفأ فتنته وأخزى أتباعه وانتقم منهم، وللظالمين أمثالها.

روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبايع لرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا، هم الذين يستخرجون كنزه) ولقد ذكر ابن حبان أن هذا الذي يبابع له بين الركن والمقام هو المهدي المبشر به، وفي هذا نظر لأن الحديث لم يذكر فيه ما يشير إلى المهدي، بل فيه ذكر لرجل ما، يبايع له بين الركن والمقام، فليس لنا أن نجزم أنه المهدي إلا بدليل صحيح صريح، ومن الإمعان في التضليل والتلبيس ما فعله المهدي الكذوب المتقدم وأتباعه من إشهار السلاح على المؤمنين ليباعوا ذلك المزعوم بين الركن والمقام ليصدق عليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من جهلهم بمعاني أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تلبيسهم وإضلالهم، وما نفعتهم تلك البيعة الجائرة بل كانت وبالا عليهم وكان عاقبة أمرهم خسرا.

معاشر المؤمنين : لقد حاول بعض الناس في فترات مختلفة من تاريخ الأمة استغلال فكرة المهدي للوصول إلى أغراض مختلفة، وقامت على إثر ذلك فتن واضطرابات كثيرة، حتى مال بعض الناس جهلا منهم إلى إنكار وجود المهدي المنتظر لرد تلك الفتن، وما هكذا يا سعد تورد الإبل، فالطريق الأمثل لرد تلك الفتن، نشر الأحاديث النبوية وتفقيه العامة والخاصة بألا يغرر بشباب المسلمين، ويستغل من قبل دعاة الفتنة، والواجب في هذه المسألة وغيرها من مسائل الدين الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما خرافات الناس وأباطيلهم وقصصهم وتلك الرؤى التي يبثها الشيطان إليهم، فلسنا بحاجة إليها بعد أن أكمل الله تبارك وتعالى الدين وأتم علينا النعمة، والواجب على المسلم أن يتقي الله تبارك وتعالى في تلك البيعة التي في عنقه، وألا ينزعها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).

وإن من أول ما يفعله أولئك الذي يدعون المهدوية مخالفة هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملة ولاة الأمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بالسمع والطاعة لهم في غير معصية الله، وهم لا يرون لهم سمعا ولا طاعة، بل ينزعون البيعة ولا يرون إمامتهم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إعلان السب لولاة الأمر، حيث يقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي خرجه ابن أبي عاصم وغيره: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا فقد أدى الذي عليه)، وهؤلاء يعلنون بالسب ويجهرون به، ويوهمون العامة أنهم في جور وظلم الليل والنهار، ومما جاء عنه صلى الله عليه وسلم بيان كيفية تعامل المسلم مع الظلم والجور إن حصل، فإنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أهل الإسلام أنهم سيرون استئثارا بالأموال دونهم، وأمورا ينكرونها فسأله الصحابة رضي الله عنهم عما يفعلون؟ فقال: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، فالواجب على المسلم أن يصبر ويتقي الله تبارك وتعالى، ويتعاون مع ولاة أمره فيما فيه خير لأهل الإسلام، ولذلك ينص أهل السنة في كتب العقيدة على أن الجهاد ماض مع كل إمام برا كان أو فاجرا، لا يبطله جور جائر ولا ظلم ظالم، وهؤلاء المهدويون على خلاف ذلك.

وفي جانب آخر هناك من يستغل فكرة المهدي بالطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء باطنهم بين وظاهر بحمد الله تبارك وتعالى، وأمورهم تدور حول الخرافة وترجع إليها.

فاللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .. اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.

محرم 1431هـ

ـــــــــــــــــــــ

قام بتفريغ الخطبة أحد إخواننا الفضلاء .. نسأل الله أن يرزقنا وإياه العلم النافع والعمل الصالح، وأن يكتب له الأجر، وأن يرفع درجته في عليين مع النبيين والصدقيين والشهداء والصالحين .. آمين .

بارك الله فيك




صيد موفق لجميع

مشكور خوى