المولد الشريف (1)ـ

المولد الشريف (1)ـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)).

أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)) نعم، إنه النبي الذي بشر به في التوراة والإنجيل، اسمه أحمد، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

معاشر المؤمنين، يقول ربنا سبحانه وتعالى: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)) ويقول جل وعلا: ((اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ))، فالله جل وعلا يختص بعض عباده ويختارهم ليكونوا ((رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ))، وقد قال ربنا جل وعلا: ((الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) .

فهذا اصطفاء النبوة والرسالة، وقد تحقق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء، وكذلك اصطفاء النسب ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) خرجه الإمام مسلم، وثالثها الاصطفاء في الزمن لقوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرن، حتى كنت في القرن الذي كنت فيه) خرجه الإمام البخاري، وكانت قريشٌ قبل إسلامها، تقر بشرف نسبه مع عداوتها له، ففي حديث أبي سفيان رضي الله عنه حين سأله هرقل عظيم الروم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كيف نسبه فيكم؟ فقال أبو سفيان –وذلك قبل أن يسلم- هو فينا ذو نسب، فقال هرقل: فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها) خرجه الإمام البخاري، ومعنى قوله: في أنساب قومها، أي: في أكرمها أحسابا وأكثرها قبيلة، يقول أبو جعفر الباقر، في قول ربنا جل وعلا: ((لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ))، قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح) رواه عبد الرزاق وقال الإمام ابن كثير: هذا مرسل جيد، وللحديث طرق وحسنه الألباني .

ها هو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة، أبو القاسم وأبو إبراهيم، محمد وأحمد، والماحي الذي يمحى به الكفر، والعاقب الذي ليس بعده نبي، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه، والمقفي وهو الذي قفى من قبله من الرسل، فكان خاتمهم وآخرهم، وهو صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة وخاتم النبيين، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) رواه مسلم وابن حبان، نبينا، هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشمِ بن عبدِ مناف، ينتهي نسبه إلى عدنان، قال الإمام ابن القيم غفر الله له: "ولا خلاف بينهم، أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهم الصلاة والسلام أجمعين، وأبوه عبد الله، كان أصغر ولد أبيه عبد المطلب، وهو الذبيح الثاني، المفدي بمائة من الإبل، كما قال الإمام ابن كثير، وأما جده عبد المطلب فاسمه شيبة، يقال: لشيبة كانت في رأسه، ويقال له شيبة الحمد، لجوده وكرمه، وغلب عليه اسم عبد المطلب، وكان قد ساد في قريش سيادة عظيمة، وذهب بشرفهم ورياستهم، فكان جماع أمرهم إليه، وكانت إليه السقاية والرفادة بعد عمه المطلب، وهو الذي جدد حفر زمزم، بعد ما كانت مطمومة من عهد جرهم، وقد قال أبو طالب في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخرٍ فعبد منافٍ سرها وصميمها

فإن حُصلت أشراف عبد منافها ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوما فإن محمدا هو المصطفى من سرها وكريمُها

ولقد تعددت مآثر عشيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، فقصي أحد أجداده، وهو الذي استحدث دار الندوة، التي يجتمع فيها الملأ من قريش للتشاور في أمورهم، كما أنه قسّم الرفادة والسقاية والحج واللواء بين عشائر قريش، وحافظت عشيرته على مكانتها زمن جده عبد المطلب، الذي اشتهر بحفر زمزم، وكان قد درس رسمها بعد طمّ جرهم إلى زمانه، وقد روي في ذلك قصة عجيبة، أخرجها ابن إسحاق بسند صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول ابن إسحاق: "وكان عبد المطلب فيما يزعمون، نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم، لئن ولد له عَشَرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، لينحرن أحدهم لله عند الكعبة، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان عبد المطلب بن هاشم، نذر إن توافى له عشرة رهط أن ينحر أحدهم، فلما توافى له عشرة، أقرع بينهم أيَّهم ينحر، فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب، وكان أحب الناس إلى عبد المطلب، فقال عبد المطلب: اللهم هو أو مائة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين الإبل، فطارت القرعة على المائة من الإبل" رواه الإمام ابن جرير، يقول الحافظ ابن كثير: "فسلمه الله تعالى، لما كان قُدر في الأزل من ظهور النبي الأمي صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وسيد ولد آدم من صلبه، ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد ابنه عبد الله، حتى أتى به وهب بن عبد مناف، سيدَ بني زهرة نسبا وشرفا، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب، وهي يومئذ سيدة نساء قومها، فدخل بها، ثم حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام ابن كثير: "فجعله الله في أشرف عنصر، وأكرم محتد، وأطيب أصل كما قال عز وجل: ((اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)).

ورأت آمنة لما حملت به صلوات الله وسلامه عليه رؤيا، رأت كأنه خرج منها نور أضاءت له بصرى من أرض الشام، وكان حمله صلى الله عليه وسلم خفيفا على أمه لا كما تحمل النساء، وتوفي أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه، هذا ما جزم به ابن إسحاق، ورجحه الواقدي وابن سعد، وصححه الذهبي، قال ابن كثير: "إنه المشهور، وهذا أبلغ اليتم وأعلى مراتبه، ولله عز وجل في ذلك حكم منها:

أن يُعلم، أن العزيز من أعزه الله وأيّده، وأن القوة ليست من الآباء والأمهات، ولا من المال، بل من الله الواحد الديان، ولقد ذكّره ربنا جل وعلى بذلك فقال: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))، قال بعضهم:

أخذ الإله أبا الرسول ولم يزل برسوله الفرد اليتيم رحيما

نفسي الفداء لمفرد في يتمه والدر أحسنُ ما يكونُ يتيما

وأما مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ولد نبينا صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، لما روى مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن أعرابيا قال: يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الإثنين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (ذاك يوم ولدت فيه، وأنزل علي فيه) وأما تاريخ يوم الولادة، فقد اختلف فيه على أقوال، ولم يرد شيء منها بإسناد، إلا ما رواه مالك وغيره بالسند الصحيح عن محمد بن جبير بن مطعم، أنه ولد في اليوم الثامن من ربيعٍ الأول، قاله العلامة الألباني، وقال الحافظ ابن حجر: إنه مقتضى أكثر الأخبار، يعني: أنه ولد صلى الله عليه وسلم يوم الثامن، والجمهور على أن ذلك في شهر ربيعٍ الأول، يقول إبراهيم بن المنذر الحِزامي شيخُ الإمام البخاري: " والذي لا يشك فيه أحد من علمائنا، أنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل، وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل"، وحكى خليفة بن خياط وابن القيم، إجماع العلماء على أنه ولد عام الفيل، لما قدم أبرهة وجيشه لهدم الكعبة، ليصرف الناس إلى بيت بناه باليمن، يقال له القُلُّيس، فلم تقدر العرب على رده، فلما قرب من حرم الله، حبس الله الفيل الذي معه عن مكة، وأرسل عليه جندا من عنده وما يعلم جنود ربك إلا هو، وأهلكه الله ومن معه وجعلهم عبرة للعالمين، وكان ذلك تقدمة لمبعث رسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكان عبد المطلب -جدُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- قد قال لأبرهة: "إن للبيت ربا سيحميه".

وأما صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام، فإن جده عبد المطلب لما ذبح تلك الإبل عن ولده عبد الله حين كان نذر ذبحه، فسلمه الله تعالى، لما كان قُدر في الأزل، من ظهور النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم من صلبه، فذهب عبد المطلب بابنه عبد الله، فزوجه أشرف عقيرة في قريش، آمنة بنت وهب، فحين دخل بها وأفضى إليها، حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم من نكاح لا سفاح، ولم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، فرحم الله القائل:

من عهد آدم لم يزل تُحمى لهُ في نسبها الأصلاب والأرحامُ

حتى تنقل في نكاح طاهرٍ ما ضم مجتمعين فيه حرامُ

فبدى كبدر التم ليلة وضعهِ ما شانَ مطلَعه المنيرَ قتامُ

ومن الآيات التي صاحبت مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حدّث به حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: "والله إني لغلام يَفَعَةٌ ابن سبعِ سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أُطُمِه -أي: حصنه بيثرب- يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا: ويلك ما لك؟ قال: طلع الليلةَ نجمُ أحمدَ الذي ولد به، طلع الليلةَ نجمُ أحمدَ الذي ولد به" رواه ابن إسحاق وحسن الألباني إسناده، وورد أيضا ما يشبه ذلك، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: "قال زيد بن عمرو بن نفيل: قال لي حبر من أحبار الشام: قد خرج في بلدك نبي أو هو خارج، قد خرج نجمه، فارجع فصدقه واتبعه" رواه أبو نُعيم وحسنه الألباني أيضا. ولا يستغرب هذا، فقد كان أهل الكتاب ينتظرون بعثة النبي الخاتم، الذي بشرت به أنبياؤهم، كما قال تعالى في اليهود: ((وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ)) أي: قد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب، يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم يقولون: إنه سيبعث في آخر الزمان نبي نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من غيرهم من العرب من قريش، كفروا به على علم، حسدا وبغيا، كما قال ربنا جل وعلا: ((فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ))، يقول الله سبحانه وتعالى: ((النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ)).

لقد كانت اليهود تعلم صفته ومخرجه، بل كانوا ينتظرون مولده، فقد روى ابن سعد وأبو نعيم والحاكم بسند حسن كما قال الحافظ ابن حجر: رووا عن عائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: "كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت تلك الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم: والله ما نعلمه، قال: احفظوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلةَ نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامةٌ فيها شَعَرَاتٌ متواترات، كأنهن عُرفُ فرس، لا يرضعُ ليلتين، فتصدع القوم من مجلسهم، وهم يتعجبون من قوله، فلما صاروا إلى منازلهم، أخبر كل إنسان منهم أهله، فقالوا: لقد ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام، سموه محمدا، فالتقى القوم حتى جاؤوا اليهودي فأخبروه الخبر، قال: اذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا معه حتى أدخلوه على آمنة، فقالوا: أخرجي إلينا ابنك فأخرجته وكشفوا لليهودي عن ظهره، فرأى تلك الشامة، فوقع اليهودي مغشيا عليه، فلما أفاق قالوا: ويلك ما لك؟ قال: والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش؟ والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب" صدق الله عز وجل حين قال: ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)).

ثم إنه اختلف هل ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا أو أن جده ختنه؟ وقد روي عن العباس رضي الله عنه أنه قال: "ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا، فأعجب ذلك جده عبد المطلب، وحضي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن، فكان له شأن" أخرجه أبو نعيم في الدلائل، لكن قال الحافظ ابن كثير: "قد ادّعى بعضهم صحته لما ورد له من الطرق حتى زعم بعضهم أنه متواتر، وفي هذا كله نظر ثم قال: قد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية مسألة في ذلك، فرد هذه السياقات كلَّها وضعفها، وجعل بعضها موضوعا، أي: مكذوبا، وقال: الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم إنما خُتن كما تختن الغلمان، ختنه جده عبد المطلب، وعمل له دعوة جمع عليها قريشا والله سبحانه وتعالى أعلم".

ثم سموه محمداً، يقول أهل اللغة: كل جامع لصفات الخير يسمى محمدا، وقال بعض العلماء: ألهمهم الله سبحانه وتعالى أن سموه محمدا لما فيه من الصفات الحميدة، ليلتقيْ الاسم والفعل، ويتطابق الاسم والمسمى، في الصورة والمعنى، فصلوات الله وسلامه عليه.

معاشر المؤمنين: يقول الله سبحانه وتعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) ، مما يتعلق بمولده صلى الله عليه وسلم حواضنه ومراضعه :

فمن مراضعه ثويبة مولاة عمه أبي لهب، أرضعته مع أمه عليه الصلاة والسلام، في الصحيح أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها وأمها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نُحَدّث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنها لو لم تكن ربيبتي في حَجْري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة)، وما يروى من أنه أعتقها –أي: أبو لهب- لما بشرته بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما لا أصل له، قاله العلامة الألباني. ولم يكن أبا سلمة هو الأخ الوحيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فقد كان عمه حمزة كذلك، ولهذا لما عرض علي بن أبي طالب على النبي صلى الله عليه وسلم الزواج من ابنة حمزة أجابه بقوله: (إنها ابنة أخي من الرضاعة) أخرجه الإمام البخاري. ومن إخوته من الرضاعة أولاد حليمة السعدية مرضعته، وهم: عبدالله وأنيسة والشيماء، وكانت أم أيمن -واسمها بركة- تحضنه وكان قد ورثها من أبيه، فلما كبر أعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة، وولدت له أسامة بن زيد –حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من مراضعه صلى الله عليه وسلم حليمة بنت أبي لؤيب السعدية، وكانت من هوازن، أي: من بين سعد بن بكر بن هوازن، فهي أمه من الرضاعة، وزوجها أبوه من الرضاعة واسمه الحارث بن عبدالعزى، وأولادها إخوتها عليه الصلاة والسلام من الرضاعة، وهم عبدالله وأنيسة والشيماء، وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذ كان عندهم. قال الحافظ ابن حجر: "ومن سعادتها –يعني: حليمة- توفيقها للإسلام هي وزوجها وبنوها". وقال الحافظ المنذري: "حليمة أسلمت وجاءت إليه صلى الله عليه وسلم وروت عنه".

ولقد كانت له صلى الله عليه وسلم في بني سعد أخبار نقلت في كتب السيرة ونقلها أهل الحديث، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله وغفر له: "أقام صلى الله عليه وسلم عند حليمة في بني سعد نحوا من أربع سنين". روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند حسن كما قال الهيتمي، أنه ذكر شق صدره في بني سعد ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وفرقت فرقا شديدا- أي: خفت- ثم انطلقت إلى أمي –يعني: حليمة- فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد التبس بي –أي: أصبت في عقلي- فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيرا لها فجعلتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي، فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها وقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام) فصلوات الله وسلامه على من تنشرح صدور أهل الإيمان بذكر أحاديثه وسيرته.

وقد قال بعضهم في قصة رضاعه عليه الصلاة والسلام وما فيها من العبر والدلالات:

بخير الخلق يشرح كل صدر وعند الله حاز أجل قدر

بشق الصدر خُص كشق بدر كما خص الكليم بشق بحر

بدا من خير بيت في قريش وأُرضع في بني سعد بن بكر

فضم إلى فصاحة آل سعد سماحة هاشم وجلال فهر

لقد سعدت حليمة حيث حازت رضاعته ونالت كل فخر

فدر عليه منها الثدي حالا ولم يك قبل ذا يشفي بدر

وشارفها جرت لبنا فأروت وكانت لا تدر لهم بقطر

وأسرعت الأتان به نهوضا فأعجب كل من في الركب

وكانت من وراء القوم ضعفا فصارت عن أمام القوم تجري

فقالوا: إن لابنك ذا لشأنا أخذت مباركا فثقي بيسر

وكان يشب في شهر كعام إذا اعتبروا وفي يوم شهر

وخلف بيوتهم جبريل وافى فشق الصدر منه بغير ضر

وألقى مغمز الشيطان منه فطهره فنال أتم طهر

حشى منه الحشى علما وحلما وإيمانا على ورع وصبر

وأكرمه الإله بشق صدر ووضع الوزر عنه ورفع الذكر

إله العرش أرسله بشيرا نذيرا داعيا لهدى ويسر

عليه صلاة رب العرش تندى كما تندى الرياض بكل فجر

يواصل عرفها آلا وصحبا كأن ثناهم نفحات زهر

معاشر المؤمنين: يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: ((وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى* وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى* أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى)).

لقد اختلف في تعيين اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في تعيين ذلك اليوم، وصحابته الكرام لم يعينوه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين، لكن في أي شهر وفي أي يوم من ذلك الشهر؟ اختلفوا؛ فقيل إنه صلى الله عليه وسلم ولد في رمضان، وقيل: في ربيع الأول، لليلتين خلتا منه، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم ولد في الثامن من ربيع الأول، ونقل الإمام ابن عبدالبر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه ورجحه أبو الخطاب بن دحية في كتابه: "التنوير في مولد البشير النذير" ونقل القسطلاني في المواهب اللدنية عن قطب الدين القسطلاني: "أن هذا هو اختيار أكثر أهل الحديث، وهو اختيار أكثر من له معرفة بهذا الشأن". وقيل: إنه ولد في العاشر من ربيع الأول، رواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر، وصححه الحافظ الدمياطي. وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، نص عليه ابن إسحاق. وقيل: بل ولد في السابع عشر من ربيع الأول. قال القسطلاني في المواهب اللدنية: "اختلف في أي يوم من الشهر ولد، وقيل: إنه غير معين، وإنما ولد يوم الإثنين من ربيع الأول من غير تعيين، والجمهور على أنه معين، ثم ذكر اختلافهم". وهذا الاختلاف في تعيين يوم المولد يدل على أن السلف الصالح رضي الله عنهم وهم أشد حبا للنبي صلى الله عليه وسلم منا وأعلم وأحكم لم يحتفلوا بالمولد وإلا لضبطوا يومه ليقع الاحتفال فيه، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.

ومن اضطراب المحتفلين بالمولد النبوي ما كان يصنعه محدث هذا الاحتفال وهو ملك إربل فقد كان يحتفل به سنة في ثامن شهر ربيع الأول وسنة في الثاني عشر منه .

وإذا تقرر عدم ثبوت تعيين يوم المولد فما يفعله العوام الآن من تحديده بالثاني عشر من ربيع الأول تحكم لا مستند له.

وأمر آخر: ألا وهو أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد توفي في شهر ربيع الأول، فلو أبيح الاحتفال لكان الأولى أن يكون هذا الشهر موسم حزن لثبوت الدليل بتعيين يوم وفاته صلى الله عليه وسلم من هذا الشهر ربيع الأول، لا أن يكون موسم فرح وسرور، وأكل وشرب وحلوى وضرب للصوفية بدفوفهم مع رقصهم فرحا بمولده زعموا، لأنه لم يثبت تعيين يوم المولد من هذا الشهر، لكن القوم جنحوا إلى ما فيه للنفس راحة وطرب، بعيدا عن الحزن الذي يحول بين النفس وتلك الشهوات والملذات.

ولو قال قائل سنعمل في شهر ربيع الأول مولدا للفرح والسرور لولادته صلى الله عليه وسلم، ثم نعمل مأتما في يوم آخر للحزن والبكاء عليه صلى الله عليه وسلم، فيقال في الجواب على هذا: إن هذا الرجل قد زاد بدعة على بدعة، وشابه بهذا الفعل من يعملون مأتما سنويا للحزن على مقتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه. كما أنه شابه النصارى أولا في عمل المولد النبوي، فإن لهم عيدا في رأس السنة الميلادية، يحتفلون فيه بمولد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وإذا كان الأمر كذلك، فما المراد بالمولد النبوي الذي يعمله بعض الناس اليوم، وتنقله بعض القنوات الفضائية وتجعله بعض الدول إجازة رسمية؟ يراد به ذلك الاحتفال الذي أحدثه بعض المسلمين، لإحياء ذكرى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فيحصل فيه دعوة عامة المسلمين للاجتماع وسماع القصائد والأناشيد الصوفية المتعلقة بالمولد، ويحصل فيه قراءة بعض شمائله صلى الله عليه وسلم، وقد يصحب ذلك عمل الحضرة الصوفية والضرب بالدف وذكر الله بلفظ "الله الله الله" أو "حي حي حي" أو بلفظ: "هو هو هو" ثم يتمايل الحضور بتأثير ضرب الدفوف وترنم المنشد وتلحينه، وقد يرقص بعضهم في وسط ذلك الجمع فرحا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم كما يقولون، وبعد الضرب بالدف والأناشيد المنغمة والرقص والتواجد الصوفي، توضع الموائد فيشتغلون بالأكل والشرب والحلوى، وقد يوزع في هذا الحفل منشورات وكتب وأشرطة الصوفية، ولك أخي يا من تدعى لحضور هذا المولد وأنت المؤمن الورع المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لك أن تسأل: هل عمل السلف الصالح احتفالا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بينوا ذلك بنقل كلام العلماء الأعلام، والجواب أن أهل العلم حتى من يرى جواز عمل المولد قد اتفقوا على أن السلف الصالح لم يعملوه ولم يعرفوه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغفر له عن الاحتفال بالمولد النبوي: "لم يفعله السلف الصالح، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيما له منا".

وقال العلامة تاج الدين الفاكهاني المالكي في رسالته المولد في الكلام على عمل المولد: "لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون ثم قال: وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سألت".

وقال الحافظ أبو زرعة العراقي عن المولد وإطعام الطعام فيه: "ولا نعلم ذلك عن السلف".

وقال الحافظ ابن حجر غفر الله له: "أصل عمل المولد بدعة لم ينقل عن أحد من السلف من القرون الثلاثة".

وقال العلامة السخاوي في فتاويه: "عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد".

وإذا تقرر أيها المؤمن الموحد المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن المولد لم يكن معروفا عند سلفنا الصالح، فمن الذي أحدثه أول مرة وما قصده من إحداثه؟

اعلم رحمك الله وأقر الله عينك برؤيته ورؤية نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة أن أول من أحدث هذه البدعة هم أمراء الدولة الفاطمية الذين وصفهم العلماء بقولهم: "ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض".

وقال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنهم أبرأ الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا ونسبا".

وقد صرح العلماء العارفون بأن الاحتفال بدعة فاطمية رافضية.

قال العلامة المقريزي في المواعظ والاعتبار: "كان للخلفاء الفاطميين طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، وعيد الغدير، ويوم النوروز".

وممن صرح بذلك القلقشندي في صبح الأعشى، وكذلك المتأخرون من أهل العلم نصوا على ذلك، كالعلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقا رحمه الله وغفر له حيث قال رحمه الله وغفر له: "إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون وأولهم المعز لدين الله فابتدعوا ستة موالد ثم ذكرها ومنها المولد النبوي وموالد أخرى خاصة بالرافضة".

وقال مثل ذلك الشيخ علي بن محفوظ من علماء مصر في كتابه: "الإبداع في مضار الابتداع".

ولكن لماذا أحدث الفاطميون المبتدعة هذا المولد النبوي؟

لقد كان قصد الفاطميين من عمل المولد استمالة أهل السنة إلى مذهبهم الباطل وجذب الرعايا إليهم، وترويج مذهبهم من خلال هذا الاحتفال، فالغرض من إحداث هذه البدعة إذن سياسي وعقدي وكذلك من يعملون المولد اليوم، منهم من غرضهم سياسي لجذب الرعايا أو لتأليب الناس على خصومهم السياسيين إذا كانوا يمنعون إحياء الموالد تدينا وتمسكا بالسنة وحذرا من البدعة، فظاهر عمل هؤلاء إحياء المولد النبوي وباطنه جمع الأتباع وتأليب الرعية ضد ولاة أمرهم المتسننين، ومما يدلك على أن المولد قد يكون لمن ينظمه مآرب أخرى، أن النصارى لما احتلوا مصر الحبيبة بقيادة نابليون بونابرت، سعوا في إضعاف الدين فأحييوا ما ابتدعه الفاطميون من الموالد وخدعوا المسلمين بذلك.

ذكر المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي صاحب التاريخ المشهور في كتابه: "مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس" أن قائد المحتلين النصارى طلب من شيخ الصوفية إعادة عمل المولد النبوي فتعلل شيخ الصوفية بعدم النفقة، قال الجبرتي: "فلم يقبل –أي: القائد الفرنسي- وقال: لا بد من ذلك، وأعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرانسه يستعين بها –يعني: على عمل المولد النبوي- فعلقوا أحبالا وقناديل –يعني: للزينة- فاجتمع الفرنسيس يوم المولد ولعبوا ميدانهم ودقوا طبولهم". انتهى كلام المؤرخ الجبرتي رحمه الله وغفر له.

والآن أظنك أخي قد أدركت أن عمل هذا المولد قد يكون له مآرب أخرى بعيدة عن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشر فضائله فكن على حذر.

ومن أغراضهم الآن نشر فكر الصوفية وجذب الشباب إلى طرقها البدعية، وتعريف الشباب يوم المولد بالتصوف، بل إن أول من ابتدع المولد ملك صوفي كما سيأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى.

أخي الحبيب أنالك الله شفاعة سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه وأوردك حوضه المورود، أيها الأخ الكريم، إن هذه البدعة الفاطمية تلقاها الملك المظفر صاحب إربل في القرن السادس الهجري وبذل أموالا طائلة في نشرها ونسبها دعاة المولد إليه فزعموا أنه محدث بدعة المولد أول مرة والحق أنه مقلد للرافضة الفاطميين وقد احتج الدعاة لحفلات المولد بأن هذا الملك الذي تبنى بدعة المولد النبوي رجل صالح عابد زاهد مجاهد فقلدوه وتابعوه، والجواب عن ذلك أن يقال: إن إنما يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا من فعل ملك جاهل .

ثانيا: دعاة المولد يزعمون أن هذا الملك هو أول من ابتدع المولد فالحمد لله أنهم لم يحتجوا علينا بأبي بكر وعمر ولا غيرهما من القرون الثلاثة المفضلة، ثالثا: إن كان هذا الملك مبتدع المولد عادلا فغيره من الملوك والخلفاء أعدل منه، ولم يحدثوا هذا الاحتفال كالخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز والإمام محمد بن سعود والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، بل كان هؤلاء ينهون عن البدع والمحدثات في الدين، فالاقتداء بهم أولى وأجدر، رابعا: قد وصف العارفون هذا الملك الصوفي الذي ابتدع المولد وأحدثه أول مرة كما يقولون وبينوا أحواله لأن بعض الناس عظم أمره ليستدل بذلك على مشروعية الاحتفال بالمولد، فها هو ياقوت الحموي يذكر عنه في معجم البلدان أنه كان كثير الظلم عسوفا بالرعية راغبا في أخذ الأموال من غير وجهها ثم بعد ذلك ينفقها على المولد المبتدع، والمحتفلين به من القراء والصوفية والمنشدين والراقصين". ما شاء الله يأخذ أموال الرعية بالظلم والقهر لينفقها على المولد حبا في النبي صلى الله عليه وسلم زعم؟!

ذكر ابن خلكان أن الملك المظفر مبتدع المولد على ما قالوه: "كان يجتمع عنده في المولد خلق كثير من الصوفية لعمل الغناء الصوفي، بل ذكر سبط بن الجوزي في مرآة الزمان أن الصوفية إذا أخذوا في الغناء بضرب الدفوف يرقص معهم الملك المظفر يوم المولد من الظهر إلى الفجر، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، والعجب من بعض المنتسبين للعلم كان الواجب عليهم إنكار بدعة هذا الملك ومناصحته لا أن يتخذوه إماما ويزينوا بدعته، ويسعوا في ليّ أعناق النصوص لتوافق هواه، وعلى كل حال، فلوا فرض أن هذا الملك صالح عادل زاهد مجاهد كما يقولون فإن صلاحه ليس دليلا شرعيا بل الدليل قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وقل مثل ذلك فيمن وافقه من بعض المنتسبين للعلم.

وفي القرون المتأخرة انتشرت هذه البدعة لتساهل بعض الناس في شأن البدع وعدم إدراكهم أضرارها ولك أخي أن تسأل عن هذه البدعة هل ترتب عليها مفاسد؟ إنما هو أكل وشرب وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم كما يقولون، فالجواب نعم، ومن تلك المفاسد أن البدع يجر بعضها إلى بعض ولا يقف أهلها عند حد، فأنصت أخي لهذا المبحث فهو مهم، وتفصيله على النحو الآتي:

مشكور جزك الله خير

Laughing

صيد موفق لجميع

تسلم بارك الله فيك وزاده فى ميزان حساناتك

[IMG]http://www.asmi